بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 23 يوليو 2016

الأرقام المصرية القديمة

هذه التدوينة هي من سلسلة تدور حول تاريخ الأرقام. هذا الرابط يحتوي على قائمة بالتدوينات المتعلقة بهذا الموضوع.


الحلقة السابقة:


كما تكلمنا سابقاً عن بداية نشأة الأرقام، فإن العلامات الإحصائية (tally marks) كانت محدودة الفائدة إلى حد ما، وخصوصاً عندما يتطلب الأمر استخدام أرقام كبيرة، ولذلك كان لزاماً على الحضارات القديمة تطوير نظام رقمي يناسب التعبير عن الأرقام الكبيرة ويسهل الحساب وكذلك يعبر عن الكسور وليس الأعداد الصحيحة فقط، ويمكننا أن نتخيل بسهولة أن عدم وجود مثل هذا النظام الرقمي يجعل من إنجاز مثل بناء الأهرام أو المدن الضخمة أو القصور والمعابد الكبيرة مستحيلاً من وجهة النظر العملية، ولأن الحضارة المصرية هي أقدم حضارات العالم، فأنه ليس غريباً أن يتطور النظام الرقمي الأقدم في مصر الفرعونية.

All Gizah Pyramids.jpg
يمكننا أن نتخيل بسهولة أن بناء الأهرام مستحيل بدون وجود نظام رقمي متقدم[١]

استخدم قدماء المصريين نظاماً لكتابة الأعداد يتكون من رمز للعدد ’واحد‘ ورموز للعدد ’عشرة‘ ومضاعفاته العشرية (أي العدد ١٠ مضروباً في نفسه) أو—بلغة الرياضيات—استخدموا رموزاً للعدد ١٠ مرفوعاً إلى أس صحيح موجب، ولا ندري أيضاً لماذا الرقم ١٠ على وجه التحديد، ولكن البديهي أن اليدين بهما ١٠ أصابع، وأن الذي يتبادر إلى ذهن الإنسان العادي عند محاولة العد هو استخدام الأصابع لهذا الغرض، ولهذا فإن الأساس العشري (المبني على عدد ’عشرة‘) هو الأساس الشائع والمستخدم إلى يومنا هذا في الحياة اليومية، والرموز الهيروغليفية المستخدمة في كتابة الأعداد هي:

الرموز الهيروغليفية للأرقام
القيمة١
واحد
١٠
عشرة
١٠٠
مئة
١٠٠٠
ألف
٠٠٠ ١٠
عشرة آلاف
٠٠٠ ١٠٠
مئة ألف
٠٠٠ ٠٠٠ ١
مليون أو عدد ضخم لا حصر له
الرمز أو
معنى الرمزكعبلفة من الحبالزهرة اللوتسإصبع منحنيضفدع أو صغير الضفدع (أبو زنيمة)الإله حيح
التعبير عن العدد ٣٢٥ بالهيروغليفية

ونلاحظ أن المصريين القدماء—مثلهم مثل باقي العالم كله على حد علمي—ظلوا يستخدمون الخط المستقيم للتعبير عن العدد ’واحد‘ مثلما كان الخط يعبر عن شيء واحد في العلامات الإحصائية (tally marks). ومقارنة بالعلامات الإحصائية فإن الأعداد الضخمة يمكن التعبير عنها بهذا النظام بشكل أسهل بكثير، حيث استخدم قدماء المصريين تشكيلة من هذه الرموز، مع تكرار البعض منها على حسب الحاجة، للتعبير عن الأعداد الكبيرة. ولأن إحدى مشكلات العلامات الإحصائية أن التكرار الزائد يجعل من التعرف على العدد بنظرة بسيطة أمراً مستحيلاً، فإن ابتكار رموز تعبر عن العدد ١٠ ومضاعفاته العشرية تجعل من غير الضروري على الإطلاق تكرار أي من هذه الرموز أكثر من ٩ مرات بحد أقصى. فمثلاً العدد ٣٢٥ يعبر عنه كما بالشكل ويتكون من ثلاثة من الرموز الممثلة للعدد ١٠٠، واثنين من الرموز الممثلة للعدد ١٠ وخمسة من الرموز الممثلة للعدد ١.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا النظام يمكننا من الجمع بصورة سريعة والتعبير عن الناتج بشكل مختصر ومفهوم بنظرة بسيطة، فكل تكرار للرموز المتشابهة يزيد عن ٩ يتم طرح ١٠ منه وإضافة رمز يعبر عن مضاعف العدد ١٠ الأكبر منه، فمثلاً جمع العدد ١٠٩٤٠ والعدد ٣١٧٢ يتم كالآتي:

جمع الأرقام الهيروغليفية لا يختلف كثيراً عن عملية الجمع في يومنا الحالي

نبدأ بالنظر إلى أقل الرموز قيمة، فنجد أن هناك منه ٢ فقط (محوط بالأحمر في الشكل)، ولأن هذا التكرار لا يزيد عن ٩ فإن هذين الرمزين يظلان كما هما في حاصل الجمع. الرمز ذو القيمة الأعلى هو المعبر عن ١٠ (تحته خط أزرق في الشكل) ونجد منه ٤ في العدد الأول و٧ في العدد الثاني، مما يجعله يتكرر ١١ مرة، وهو أكثر من الحد الأقصى المسموح للتكرار وهو ٩، فنطرح منه ١٠ مرات تكرار فيتبقى مرة واحدة (محوط بالأزرق في الشكل) توضع في حاصل الجمع. ونضيف رمزاً للقيمة الأعلى وهي ١٠٠ (محوط بالأخضر في الشكل). الرمز ذو القيمة الأعلى هو المعبر عن ١٠٠ (تحته خط بنفسجي في الشكل) ونجد منه ٩ مرات تكرار في أول عدد ومرة واحدة في ثاني عدد، لكن هناك مرة إضافية ناتجة من جمع الرموز المعبرة عن العدد ١٠، مما يجعل إجمالي تكرار هذا الرمز ١١ مرة أيضاً. بتكرار نفس العملية السابقة نحصل على رمز إضافي يعبر عن العدد ١٠٠٠ (تحته خط برتقالي) ويتبقى رمز واحد يعبر عن العدد ١٠٠ (محوط بالبنفسجي في الشكل) يوضع في الناتج الأخير. الرمز ذو القيمة الأعلى هو المعبر عن ١٠٠٠ (تحته خط برتقالي) ولا يوجد منه في العدد الأول، ويوجد منه ٣ رموز في العدد الثاني، وهناك رمز إضافي ناتج من العملية السابقة، فيكون عندنا ٤ رموز في ناتج الجمع. الرمز ذو القيمة الأكبر هو المعبر عن العدد ١٠٠٠٠ (محوط بالأصفر في الشكل) ويوجد منه واحد فقط في العدد الأول ولا يوجد منه آخر، فيوضع هذا الرمز الواحد في ناتج الجمع. ويمكن قراءة ناتج الجمع مباشرة ونجد أنه ١٤١١٢، وهو الناتج الصحيح.

Oudjat.SVG
عين حورس للتعبير عن الكسور[٢]

واستخدم المصريون القدماء أيضاً رموزاً للتعبير عن الكسور، وكانت الطريقة للتعبير عن الكسور المصرية القديمة في المملكة القديمة (Old Kingdom) تستخدم أجزاء من عين حورس (كما في الشكل) للتعبير عن النصف وأنصاف النصف (أي الربع والثمن والجزء من ١٦ وهكذا) حتى الجزء من ٦٤ جزءًا، ويعتقد البعض أن المصريين القدماء كانوا يعتبرون أن عين حورس الكاملة تمثل الواحد الصحيح، وبحساب مجموع قيمة الكسور التي تعبر عنها أجزاء عين حورس نجد أن المجموع هو ٠٫٩٨٤٣٧٥ أي ما يقارب الواحد الصحيح، والواقع أن مجموع المتوالية الهندسية التالية إلى ما لا نهاية هو الواحد الصحيح:

ومشكلة النظام القديم في التعبير عن الكسور أنه محدود بالنصف وأنصاف النصف، وعلى الرغم من إمكانية التعبير عن بعض الكسور الأخرى كمجموع لهذه الكسور، فمثلاً ’ثلاثة أرباع‘ هو ’نصف‘ و’ربع‘، و’خمسة أثمان‘ هو ’نصف‘ و’ثمن‘، فإن بعض الكسور الأخرى لا يمكن التعبير عنها بهذه الطريقة، على سبيل المثال ’السُبع‘! ولهذا نشأ نظام جديد للتعبير عن الكسور يظن أنه بدأ وقت الفترة الانتقالية الأولى (First Intermediate Period) بين المملكة القديمة والمملكة الوسطى (Middle Kingdom).

التعبير عن الكسور باستخدام الرموز الهيروغليفية

كانت الكسور يعبر عنها ككسر بسطه الواحد الصحيح دائماً ومقامه عدد صحيح، أو كمجموع كسور بسطها الواحد الصحيح ومقامها عدد صحيح، وكانوا يعبرون عن ذلك باستخدام الرمز مع وضع المقام أسفله (غالباً). وكانت للكسور الشائعة رموز خاصة بها، وهي ’النصف‘ و’الثلثين‘ و’الثلاثة أرباع‘ كما هو موضح بالجدول التالي. ويوضح الشكل كيفية التعبير عن الكسور بهذه الطريقة، ونلاحظ أن الكسر ’ثلاثة أخماس‘ الذي لا يمكن التعبير عنه مباشرة بهذه الطريقة يعبر عنه بمجموع كسرين هما النصف والعشر. يوضح الجدول أيضاً استخدام علامة الجمع أو الطرح في الأرقام الهيروغليفية، ويمثلها ساقين يقرأ معناهما من اليسار إلى اليمين غالباً، فإذا كان الساقان يمشيان في إتجاه الرقم كانت علامة للجمع، وإذا كانا يمشيان بعيداً عن الرقم كانت علامة للطرح.

الرموز الهيروغليفية للكسور الشائعة وعلامة الجمع أو الطرح
نصفثلثينثلاثة أرباعالجمع أو الطرح
أو

ويوجد عدد من البرديات القديمة التي تعطينا فكرة معقولة عن كيفية إجراء المصريين القدماء للعمليات الحسابية منها بردية رند الحسابية (Rhind mathematical papyrus) وهي أشهرها ولفة الجلود المصرية الحسابية (Egyptian mathematical leather roll) المنسوب اكتشافها (شرائها) إلى الإنجليزي أليكساندر رند (Alexander Rhind) أيضاً، ومنها أيضاً ألواح أخميم الخشبية (Akhmim wooden tablets) وبرديات لاهون الحسابية (Lahun mathematical papyri) وبردية رايسنر (Reisner papyrus) وبردية موسكو الحسابية (Moscow mathematical papyrus).

كما استخدم المصريون القدماء في مرحلة متأخرة نسبياً رمزاً للصفر هو وإن كانوا لم يتعاملوا مع الصفر كرقم مستقل، وإنما كان هذا الرمز كأمثاله في الحضارات القديمة الأخرى كالحضارة البابلية والصينية يرمز إلى ”لا شيء“ ولكنه ليس رقماً مستقلاً.

نلاحظ على النظام المصري القديم للأرقام ما يلي:

  • استخدم المصريون القدماء نظاماً عشرياً (يعتمد على الأساس ١٠ في العد) وهو ما زلنا نستخدمه إلى يومنا هذا في حياتنا اليومية، وإن كان النظام الرقمي الحديث يختلف بشكل ليس بقليل عن النظام المصري القديم، ولكنه يشترك معه في الأساس العشري.
  • في النظام المصري القديم لا توجد قيمة مكانية (place value) للرموز، وإنما كل رمز له قيمة معينة ثابتة بغض النظر عن مكان كتابته. سنرى لاحقاً كيف تطورت فكرة القيمة المكانية.
  • قيمة العدد في هذا النظام هي مجموع قيمة كل الرموز المعبرة عنه. هذا النظام الجمعي يختلف عن بعض الأنظمة التي سيأتي ذكرها لاحقاً وتستخدم الجمع والطرح والضرب معاً للتعبير عن الأعداد. استخدام الجمع فقط يسهل قراءة الأعداد ولكنه قد لا يكون مختصراً بشكل جيد.
  • على الرغم من أن هذا النظام يعبر عن الأعداد الصحيحة بشكل فعال إلى حد ما، إلا أنه ليس مختصراً تماماً، فما زلنا نكرر الرموز في هذا النظام إلى حد أقصى هو ٩ مرات، وللقارئ محاولة كتابة العدد ٩٩٩٩ بالهيروغليفية ليعرف أحد مشاكل هذا النظام.
  • التعبير عن الكسور بهذه الطريقة صعب للغاية!! في واقع الأمر أننا نجد أن بعض البرديات المذكورة أعلاه تفرد أجزاء ليست قليلة منها للتعبير عن الكسور المختلفة كمجموع كسور بسطها الواحد الصحيح ومقامها عدد صحيح. لا توجد في هذا النظام طريقة خوارزمية (algorithmic) للتعامل مع الكسور.
  • لا توجد في هذا النظام طريقة للتعبير عن الأرقام الأكثر من مليون! يعتقد البعض أن المصريين القدماء استخدموا رمز الإله حيح للتعبير عن اللانهاية (infinity) في الأرقام أو الأبدية (eternity)، مما يدل على إدراكهم—وإن كان بشكل بدائي—لمفهوم اللانهاية، وربما لم يجد المصريون القدماء الحاجة إلى استخدام أعداد تزيد عن المليون، ولهذا لم يَحْتَوِ نظامهم الرقمي على رموز تعبر عن الأعداد التي تزيد عن المليون، وهذا في وقتهم كان عدداً مهولاً! نقرأ في تاريخ العرب عند غزوهم لمصر في القرن السابع الميلادي—أي أكثر من ٢٥٠٠ سنة بعد تطوير النظام الرقمي المصري القديم—أن أكبر عدد استخدموه عندئذ كان الألف، حيث وصفوا المليون بأنها ’ألف ألف‘، وذلك يعطينا فكرة عن كفاية العدد ’مليون‘ لحاجة الحضارة المصرية القديمة.

الحلقة التالية:


نسب المصنفات

باستثناء المصنفات المنسوبة فيما يلي، يستحق القراءة بواسطة رفيق ميخائيل مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف - غير تجاري - الترخيص بالمثل 4.0 دوليرخصة المشاع الابداعي.

  1. الأهرام المصرية بالجيزة: موسوعة الإنترنت ويكيبيديا
  2. عين حورس للتعبير عن الكسور: موسوعة الإنترنت ويكيبيديا
  3. الرموز الفرعونية: ملف PDF من موقع جمعية اليونيكود (The Unicode Consortium).

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق